يقول تقرير صدر عن ثلاث مؤسسات إنمائية ومالية دولية بارزة إن القطاع الخاص يُمكِن أن يُصبِح مُحرِّكا رئيسيا للنمو وتعزيز الرخاء في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إذا وُضِعَت سياسات فعَّالة للتصدِّي للتحديات الرئيسية في أنحاء المنطقة.
ويتساءل التقرير الذي أصدره البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير وبنك الاستثمار الأوروبي ومجموعة البنك الدولي "ما الذي يعوق القطاع الخاص في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؟" ويستخلص التقرير الدروس من مسوح منشآت الأعمال في المنطقة التي تُغطِّي أكثر من ستة آلاف شركة في ثمانية بلدان.[1]
وقال العديد من تلك الشركات إن أهم العوامل التي تعوقهم هي عدم الاستقرار السياسي، والفساد، وإمدادات كهرباء التي لا يمكن التعويل عليها، وعدم كفاية فرص الحصول على التمويل.
وقالوا أيضا إن الحواجز في طريق التجارة وندرة العمال المُدرَّبين تدريبا مناسبا يمثلان عائقا أمام الابتكار والنمو. كما رأوا انفصاما بين الشركات وقنوات التمويل الرسمية في كثير من الأماكن مما أضاع على الشركات فرص النمو.
ويخلص هذا التقرير إلى أن: "وجود إستراتيجيات لمساندة الشركات في جهودها لتعزيز إنتاجيتها – وكذلك عملية إعادة تخصيص الموارد لتوجيهها نحو الشركات الأكثر إنتاجية- يجب أن يكون من أهم أولويات السلطات العامة في المنطقة."
وأبرز التقرير أربعة مجالات مُحدَّدة لابد من وضع سياسات ملائمة لها، وهي: تحسين مناخ الأعمال، وتحسين إمكانية الحصول على التمويل، وتحقيق مستويات أفضل من التعليم والتوظيف والمهارات، والنهوض بالتجارة، والمنافسة والابتكار.
وقال التقرير إن تحقيق الاستقرار السياسي ضروري لتحسين مناخ الأعمال. "وفي الكثير من الاقتصادات، من المرجح أيضا أن يكون من الأولويات المهمة معالجة الفساد، وتوفير إمدادات كهرباء يمكن التعويل عليها."
وتعقيبا على التقرير قال سيرجي جورييف رئيس الخبراء الاقتصاديين القادم في البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير "سيساعد تحديد المُعوِّقات والتحديات التي تُؤثِّر على القطاع الخاص والنمو الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مؤسساتنا على مساندة إصلاحات السياسات التي تهدف إلى تهيئة مناخ أعمال مؤات. ومنذ بداية انخراطنا في المنطقة ركَّزنا على رعاية تطوير القطاع الخاص من خلال برامج مُصمَّمة خصيصا، والاستثمار في البنية التحتية والخدمات، بالإضافة إلى تقوية القدرة التنافسية التي تعد وسيلة رئيسية لمعالجة البطالة، وهي من أكبر التحديات التي تواجهها المنطقة، لاسيما فيما بين النساء والشبان المتعلمين."
ويُظهِر التقرير أنه على الرغم من أن القطاعات المصرفية في المنطقة كبيرة نسبيا، فإن نسبة كبيرة من الشركات منفصلة عن قنوات التمويل الرسمية – فهي لا تطلب الائتمان وتقول إن لديها موارد كافية. ويمكن تحسين حصول الشركات على التمويل عن طريق تطوير قدرات البنوك فيما يتعلق بتقييم مخاطر الائتمان. وقد تكون أنظمة ضمان الائتمان وسيلة للتخفيف من قيود الضمانات، وفي الوقت ذاته سيكون من المفيد تقوية القوانين الخاصة بالمعاملات المشمولة بضمانات، وإيجاد سجل أكثر كفاءة للضمانات. فهذا من شأنه أن يُعزِّز أنشطة الإقراض لمؤسسات الأعمال الصغيرة والمتوسطة دون تعريض الاستقرار المالي للخطر.
وقالت ديبورا ريفولتيلا رئيسة الخبراء الاقتصاديين في بنك الاستثمار الأوروبي "إن إيجاد وسيلة لإعادة الارتباط بين البنوك والشركات ضروري لتعزيز فرص النمو في المنطقة، وتمتلك المؤسسات المالية الدولية الخبرة والاستعداد للقيام بدور تكميلي للسياسات المحلية. مساندة القطاع الخاص في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا جزء رئيسي من المبادرة الجديدة لبنك الاستثمار الأوروبي لبناء المرونة والقدرة على مجابهة الصدمات الاقتصادية في المنطقة، وكذلك لمساندة بلدان المنطقة. وقد وافق قادة الاتحاد الأوروبي الآن على هذه المبادرة للاستجابة للأزمات والمرونة الاقتصادية، وستشهد المبادرة تكثيفا كبيرا للأنشطة التقليدية، مع إجراءات واستثمارات من أجل النمو والوظائف والبنية التحتية الحيوية والتماسك الاجتماعي."
ويرى التقرير أن هناك متسعا لتحقيق تحسينات في السياسات من أجل النهوض بالتعليم، والتوظيف، والمهارات لاسيما فيما يتعلق بتوظيف النساء والشباب. وينبغي أن تهدف السياسات إلى إزالة التشوُّهات التي تحول دون دخول النساء سوق العمل، وأن توفر تعليما أكثر تركيزا ومُوجَّها بشكل جيد للشباب. ويجب أيضا أن تُقدِّم حوافز لزيادة كثافة التدريب في الشركات. وفي الوقت نفسه، فإن اتخاذ خطوات لمساندة قيام الشركات حديثة العهد المُبتكِرة ونموها ستكون له على الأرجح آثار إيجابية على توظيف الشباب.
وقال كوشيك باسو رئيس الخبراء الاقتصاديين والنائب الأول لرئيس البنك الدولي "إن رعاية فرص التوظيف وريادة الأعمال، لاسيما للشباب من الرجال والنساء أمر ضروري لرفع مستويات المعيشة وتعزيز الاستقرار الاجتماعي والسياسي. ومن الضروري إعادة توجيه النظام التعليمي في المنطقة نحو تعلُّم المهارات التي تستمد أصولها من التدريب المهني وتلائم عالم التكنولوجيا الراهن الذي يتقدَّم بخطى هائلة وذلك من أجل تعزيز ريادة الأعمال وفرص العمل والتوظيف."
وفي مجال التجارة والمنافسة والابتكار، لاحظ التقرير أن زيادة إنتاجية الشركات تتطلَّب مزيدا من الانفتاح على التجارة الدولية، التي يمكن مساندتها من خلال لوائح تنظيمية جمركية وتجارية أكثر فعالية، للواردات والصادرات على السواء. ويُمكِن أيضا تعزيز المنافسة من خلال تقليص القيود على دخول الشركات وخروجها وعلى الاستثمار الأجنبي.
[1] جيبوتي وجمهورية مصر العربية والأردن ولبنان والمغرب وتونس والضفة الغربية وغزة والجمهورية اليمنية (أي منطقة مسوح الشرق الأوسط وشمال أفريقيا).